تعليمات السيارات الكهربائية …وتنافسية الاردن
- بقلم الدكتور يوسف منصور
شكّلت المركبات الكهربائيّة 70% من إجماليّ المركبات التي يتمّ التخليص عليها في الآونة الأخيرة، وحسب وزارة الصناعة والتجارة والتموين في ظل الطلب المتزايد على هذه السيارات وبهدف حماية حقوق المستهلكين والاقتصاد الوطنيّ والحفاظ على سلامة وأمان الاستخدام لهذا النّوع من المركبات، أصدرت الوزارة تفي الحكومة السابقة تعليمات/مواصفة جديدة لاستيراد السيارات الكهربائية إلى الأردن في (26/5/2024) تنص على أنه يجب على أي شخص يورد سيارة كهربائية للأردن أن يتقدم بطلب لمؤسسة المواصفات والمقاييس الأردنية مع ارفاق ذلك الطلب بشهادة مطابقة، حسب بنود المواصفة الالتزام بتقديم شهادة الموافقة النوعية الأوروبية للمركبة European Whole Vehicle Type Approval Certificate، او شهادة المطابقة الأمريكية لمواصفات السلامة Federal Motor Vehicle Safety Standards FMSS.
تُقدّم الشهادة مرة واحدة لكل طراز من قبل كل المورد بحيث تقوم مؤسسة المواصفات والمقاييس بالتحقق من صحة هذه الشهادات بالطرق التي تراها مناسبة وتستوفى مقابل ذلك أجور التحقق وفقاً لتعليمات اجور الخدمات سارية المفعول. ويجب على المورد تقديم أي وثائق فنية تثبت مطابقة المركبة لاشتراطات السلامة التي تطلبها المؤسسة. كما ان على المؤسسة تقديم اقرار بالمطابقة من المورد نفسه.
هنالك العديد من المشاكل في هذه التعليمات:
- يجب طلب هذه الموافقات من جميع أصناف السيارات الكهربائية والهايبرد والوقود، حيث أن أي تمييز هنا قد يدخل في باب استخدام المعيقات الفنية لواردات دولةٍ محددةٍ وهي الصين، التي تسيطر على سوق السيارات الكهربائية (صدرت الصين ما يقرب من 5 ملايين سيارة في عام 2023) ويحاربها بشتى الوسائل والطرق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لمنافستها صناعتهم وتقدمها عليهم في تقنيات السيارات الكهربائية، وخاصة في صناعة البطاريات. إذا، قد يقرأ البعض بأن الأردن يمارس حرباً تجاريةً ضد الصين شبيه بتلك التي تمارسها كبار الدول الصناعية المانحة للأردن. وطبعا، لا يمكن أن يؤثر حجم الطلب في الأردن على اقتصاد الصين بأي شكل من الأشكال (كل واحد وحجمه).
- بعد الحصول على الموافقات، وما يستغرقه ذلك من وقت وجهد ومال، ثم تقديمها الى مؤسسة المواصفات والمقاييس والتي ستستغرق 10 أيام، وبعد ذلك تقديمها الى دائرة ترخيص المركبات، كل ذلك يؤدي الى كلف واعاقات بيروقراطية لا داعي لها، ولها أثر أكبر على صغار المستثمرين وأصحاب الأعمال منها على كبار الموردين والوكلاء.
- لم تراعي التعليمات في الأردن أن الموافقات التي تطلبها مخالفة لما هو معمول به عالميا، حيث يعتمد نظامي الموافقة الأمريكي والاوروبي على مفهوم “الموافقة النوعية” وببساطة؛ توفر هذه العملية آلية لضمان تلبية المركبات لمعايير البيئة والسلامة والأمن ذات الصلة. وبما أنه ليس من العملي اختبار كل مركبة يتم تصنيعها، يتم اختبار العينات على أنها تمثل “النوع” (مثلا فولكسفاجن أي دي 4 أو 6، أو بي واي دي، هافال، أو مرسيدس 200، الخ)، وحصول أحدهم (ككبار الموردين مثلاً) يكفي لاستيراد ذات النوع من قبل صغار الموردين. فالجهات التي تصدر الموافقات العالمية تصدرها مرة واحدة لنوع من السيارات، وليس هناك حاجة أن يتقدم بالطلب كل مورد للحصول على هذه الموافقة، حيث أنها للنوع.
- ايضاً، من الضروري الإشارة الى أن هذه الموافقات لا تتطلبها كل دول العالم فالموافقة الامريكية FMVSS او الأوروبية هي النظير الأمريكي او الأوروبي للوائح الأمم المتحدة التي وضعها المنتدى العالمي لتنسيق لوائح المركبات الذي يشارك فيه 68 دولة، علماً بأن الأردن لا يشارك بهذا المنتدى.
- أخطر ما في التعليمات التي أصدرتها الوزارة (المادة 6) أنها تجبر كل مورد على حدة على الحصول على هذه الموافقات، ولا يجوز استخدامها من أي مورد آخر، الأمر الذي ينافي ما تنص عليه هذه الموافقات، فهي لنوع المركبة وليست للمورد.
- ايضاً، قد يكون إصدار الموافقات مكلفاً للغاية وخاصة بالنسبة لصغار المستوردين. كما قد لا يستطيع صغار المستوردين تعبئة الطلبات للحصول على الموافقات لما تتطلبه من مهارات تقنية قد لا تتوفر لدى بعضهم. ايضاً، فان الوقت والجهد المبذولين للحصول من قبل كل مورد على حدة للحصول على الموافقات يضر صغار المستثمرين بشكل أكبر من أصحاب الوكالات. وبذلك يبدو أن هنالك تحيز واضح في تعليمات الوزارة ضد صغار المستوردين، ولصالح أصحاب الوكالات، مما يضر تماماً بالمنافسة في السوق، حيث يحارب صغار المستثمرين، ويعارض سياسة تشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، ويتنافى مع توجهات ورؤية التحديث الاقتصادي والسياسات الصناعية والتجارية التي تضعها الحكومة وترصد لها الملايين من أموال المانحين.
- ومن ناحية الشفافية في التعامل مع القطاع الخاص، كانت الحكومة قد أبلغت المستوردين بأنه سيكون هناك فترة سماح تبلغ 6 أشهر للتطبيق وهو ما حذف في التعليمات الحالية دون داعٍ، رغم أن المنطق يتطلب أن يمنح القطاع الخاص فترة ملائمةً للتعامل مع المستجدات التشريعية. وخرج مسؤول كبير بتصريح يضيف الوقود الى النار يقول بأن التعليمات تطبق مباشرة لمكافحة إجراءات القطاع الخاص، وهو كلام لا يجوز أن يصدر عن أي كان فالحكومة والقطاع الخاص شركاء وليسا ندين لبعضهما البعض، والحكومة في خدمة الشعب وليس العكس. كما أن أي قرار اقتصادي أو ذو أثر اقتصادي كان يجب أن يدرس من حيث الوقع على كافة مناحي الاقتصاد، وأثره الدائم (سلبا أو إيجابا).
- ستؤدي التعليمات الى افلاس البعض دون داعٍ، وارتفاع أسعار السيارات الكهربائية مما سيقلل الطلب عليها رغم انها أكثر ملائمة للبيئة وفقر الأردن الحالي للوقود الاحفوري والذي يستورد أكثر من 90% منه من الخارج، مما سيؤثر سلبا على ميزان المدفوعات والميزان التجاري، بالإضافة الى رفع معدلات الغلاء، والاضرار بالمستهلك الذي يطلب هذا النوع من السيارات لانخفاض كلفته. كما ستشارك مثل هذه التعليمات في تراجع تنافسية المملكة.
المطلوب، تعديل هذه التعليمات.
- الكاتب وزير سابق وكاتب ومحلل اقتصادي اردني معروف