برنامج ترامب الاقتصادي يستهدف قطاعات التجارة والاستيراد والرسوم الجمركية والطاقة
الأولى – رصد
ينتظر العالم بدء الولاية الثانية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب واكثر ما ينتظره العالم وجه الاقتصاد الأميركي وانعكاساته على الاقتصاد العالمي وما يمكن ان تحدث له من التغييرات، كذلك هل سيكرر الرئيس سياساته الاقتصادية الماضية خلال فترته الأولى؟.
وتشير التوقعات ان الأدوات الاقتصادية الرئيسية لترامب ستكون هي نفسها التي كانت في تلك الفترة الأولى من حيث التركيز على التعريفات الجمركية وتخفيضات الضرائب ولكن هناك فرقا ، فالتعريفات الجمركية التي يخطط لها ستكون أوسع وأعلى، وستكون التخفيضات الضريبية أكثر استهدافا خلال ولايته الثانية.
ويرى خبراء في الاقتصاد ان التأثيرات المحتملة لفوز ترامب على الاقتصاد العالمي تشمل 6 ملفات هامة، من بينها التجارة والعلاقات الدولية. تعهد بفرض سوم بنسبة 60% أو أعلى على السلع المستوردة من الصين، إضافة إلى رسوم جمركية شاملة تتراوح بين 10% و20% على كل شريك تجاري آخر للولايات المتحدة، ومعدلات تعريفة تصل إلى 100% أو 200% أو 1000% في ظروف أخرى.
ووفقا لتقرير نشرته “وول ستريت جورنال” يعتزم ترامب تنفيذ تعريفات جمركية أكبر وأكثر شمولا على الواردات، مع استهداف التخفيضات الضريبية بشكل محدود ، وهي خطوة يُتوقع أن تؤدي إلى ضغط تصاعدي على معدلات التضخم وتعزيز النمو، مما قد يزيد العجز ويؤدي إلى ارتفاع معدلات الفائدة.
وبحسب التقرير ستكون الخطوة الأولى لترامب هي رفع التعريفات الجمركية، خاصة على الواردات من جمهورية الصين، التي قد تصل إلى 60%، مع فرض تعريفات تتراوح بين 10% و20% على الواردات من بقية دول العالم وفي هذا الاجراء يتوقع الاقتصاديون أن ترفع التعريفات الجديدة أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة بنسبة 0.9%، مما يزيد من مخاطر التضخم ، اضافة الى تحميل المستوردون جزءا من هذه الزيادات على حساب هوامش أرباحهم .
ذات الاقتصاديين اشاروا الى احتمالية أن يؤدي ارتفاع قيمة الدولار إلى ارتفاع أسعار الواردات ، اذ يمكن أن يستخدم ترامب التعريفات كوسيلة ضغط في المفاوضات التجارية، مما يعني أن الزيادات الفعلية قد تكون أقل تهديداً مما هو متوقع .
من جانب آخر، وبحسب التقارير الاعلامية يسعى ترامب لتمديد بعض بنود قانون الضرائب لعام 2017، الذي يقدر بتكلفة 5 تريليونات دولار على مدار 10 سنوات، وفقا للجنة الميزانية الفدرالية المسؤولة ، وتشمل مقترحات ترامب تخفيضات إضافية في ضرائب الشركات واستثناءات ضريبية على الفوائد العقارية والضرائب المحلية وفق توقعات الخبراء.
كما يسعى ترامب لتقليل الاعتماد على الصين في الصناعات الأساسية، مما يعزز استقلالية الولايات المتحدة الاقتصادية، حيث إن “هذه الخطوات قد تكون مكلفة، لكنها تستحق التضحية حيث ان أداء الاقتصاد الامريكي قد يتأثر بقوى أخرى أكبر، مثل الأزمات غير المتوقعة أو التطورات التكنولوجية.
سياسة ترامب الاقتصادية من شانها احداث تأثيرات يصعب تحديدها في الاقتصاد الأوسع نطاقا ، فعلى سبيل المثال، يتأثر إنتاج النفط وأسعار البنزين في الولايات المتحدة في الغالب بالأسعار العالمية، والتي تتأثر بدورها بشكل كبير بمنظمة “أوبك” والعقوبات والصراع في الشرق الأوسط والنمو الاقتصادي الصيني.
كما أن خطة ترامب لترحيل المهاجرين غير المصرح لهم قد تؤدي إلى زيادة الضغوط على الأجور والأسعار، فقد لا يكون التأثير ملحوظاً نظرا لحجم سوق العمل في الولايات المتحدة ، بالاضافة الى إن أجندة ترامب الاقتصادية لا تتعلق بالنمو فحسب، بل إنها تحاول أيضا استعادة الوظائف الجيدة والمجتمعات الصحية التي كانت التصنيع ممكنا ذات يوم مع الحد من الاعتماد على الصين، الخصم الجيوسياسي. وقال سكوت بول، رئيس تحالف التصنيع الأميركي: “نعم، هناك تكلفة. في كثير من الحالات، أعتقد أنها تستحق ذلك”.
أما على مستوى السياسات المالية، فمن المتوقع تعزيز أسواق الأسهم الأميركية في البداية، لا سيما في قطاعات الطاقة والدفاع ، مما قد يؤثر سلبًا على قطاعات أخرى، مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية، التي تعتمد بشكل كبير على التجارة الدولية وتدفق العمالة الماهرة .
وتشير التحليلات الى ان فترة ترامب الثانية قد تكون حافلة بالتحديات الاقتصادية والتغيرات الكبيرة في السياسة العامة ، فمن جهة، ستزيد سياساته من دعم أسواق الأسهم وتقليل الضرائب، ولكن من جهة أخرى، قد تؤدي إلى تراجع التعاون الدولي وزيادة العجز المالي.
المحلل الاستراتيجي والاقتصادي الاردني المعروف الدكتور خالد الوزني قال من المؤكَّد أنَّ المشهد الاقتصادي سيتغيَّر بشكل واضح خلال ما تبقّى من العقد الحالي حيث أنَّ فوز الرئيس السابق ترامب، سيعني تغيُّراً جوهرياً في مشهد الاقتصاد العالمي من حيث العلاقات التجارية، خاصة أنه سيكون أكثر تشدُّداً في حرية التجارة، وخاصة مع الصين، وهي الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة ولمعظم دول العالم.
واضاف في تصريحات لـ “الأولى” ان التوجُّه نحو الحماية والقواعد التنظيمية الجمركية وغير الجمركية سيكون أساس التحوُّلات في التعاون الدولي، ليس فقط بين الولايات المتحدة والصين، بل في كثير من الدول التي تعتبر أنَّ الانفتاح التجاري الكامل أضرَّ بصناعاتها المحلية. ولعلَّ المشهد الأوروبي هو الأكثر وضوحاً اليوم بعد أن شهدت السوق الأوروبية أكبر تحدٍّ لمفهوم حرية التجارة والتبادل التجاري، بفعل المنافسة الشرسة للمنتجات الصينية لجميع المنتجات الأوروبية الثقيلة والخفيفة، وخاصة قطاع المركبات والنقل.
ويضيف إنَّ الرئيس ترامب بسياساته المتعلقة بحماية المنتجات الوطنية، وضبط العمالة غير الشرعية، وتخفيض الضرائب على الشركات، والتوجُّه نحو مزيدٍ من المشروعات الكبرى، والصناعات الدفاعية، والإنفاق العام الكبير هو الحل للاقتصاد الأمريكي، ، إلا أنه ليس كذلك للاقتصاد العالمي، بسياساته الحمائية، وتوجُّهاته المتشددة مع التبادلات التجارية الخارجية.
واكد انه من الواضح أنَّ ترامب سيشكِّل نوعاً من القفزة للاقتصاد الأميركي، ولكنه سيشكِّل بداية تكتلات فاعلة خارج نطاق سيطرة الدولار والولايات المتحدة، وهنا قد تكون بداية التحوُّلات العالمية في التجارة الدولية، وفي دور الدولار والولايات المتحدة فيها.
من جهته قال المحلل والكاتب الاقتصادي عوني الداود أن رؤية ترامب الاقتصادية وسياساته قد تزيد الدَّين الوطني بشكل كبير (بحسب خبراء)، إضافةً إلى توقعات بارتفاع الدولار وزيادة التضخم، وغيرها من التوقعات المتضاربة، لكن باختصار نجح ترامب بإقناع «الناخب الأمريكي» بأنه سيخفّضُ التضخم ويدعم الصناعة المحلية وهذا سيخلق مزيدًا من الوظائف وأنه سيعوّض كل ذلك من خلال الاعتماد على الرسوم الجمركية كوسيلة لزيادة إيرادات الدولة.
واضاف ان البرنامج الاقتصادي للرئيس المنتخب دونالد ترامب له تأثيرات إيجابية داخلية على الاقتصاد الأمريكي ، لكن هذا البرنامج له تداعيات سلبية كبيرة على التجارة العالمية وتحديدًا على دول الاتحاد الأوروبي وعلى الصين بشكل كبير ، حيث نجد تخوفات عالمية ترى بأن سياسات ترامب سوف تُحدث «هزّة» في الاقتصاد العالمي.
وبين ان العالم يترقب بقلق سياسات ترامب الاقتصادية، وتدرك الدول أنه إذا نفّذ وعوده – وهو قادر على ذلك دون عوائق خصوصًا بعد سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ وربما البرلمان فإن سياساته ستنعكس على التجارة العالمية وسلاسل التوريد وأسواق النفط والذهب والدولار والعملات المشفرة وربما المساعدات الخارجية.
محلياً اشار الداود ان الأردن يرتبط مع الولايات المتحدة بشراكة استراتيجية، وعلاقات جيدة مع الديمقراطيين والجمهوريين، والمساعدات الأمريكية ممتدة حتى العام 2029، وميزان التبادل التجاري مع أمريكا يميل لصالح الأردن.. لكن الأردن قد يتأثر كما دول العالم بأية هزات اقتصادية عابرة للقارات، والأهم انعكاسات توترات الإقليم، وفي مقدمتها الحرب على غزة ولبنان.