الاستثمار ….الشهادة الحقيقية على حسن الأداء
*إبراهيم سيف
هناك نوعان من الشهادات تقدم على المناخ الاستثماري الذي يسود في بلد ما، هناك شهادة تقدمها المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي ومؤسسات الائتمان الدولي والتي يتم فيها تقييم المناخ الاستثماري والبيئة الاستثمارية الحاضنة ومدى جودتها من عدمها من خلال بعض المعايير الأساسية التي تتعلق بالإطار العام للاقتصاد. وفي العادة فإن هذه المؤشرات تأتي على المستوى الكلي وتقيس نسب النمو والتضخم وأسعار الفائدة والدين العام ومستويات البطالة ومدى استقرار السياسات العامة وغيرها من المتغيرات التي يمكن الاطلاع عليها بسهولة في أدبيات تلك المؤسسات.
وعلى أهمية تلك المؤشرات إلا إنها يمكن أن تصيب أو تخطئ أحيانا في تحديد طبيعة المناخ الاستثماري ، حيث أن تلك المؤشرات في العادة لا تأخذ بعين الاعتبار مدى الثقة في السياسات العامة وقدرت الحكومة على إنفاذ القوانيين، والأهم كيف ينعكس التحسن في المؤشرات على حجم الاستثمارات، وترتبط الفائدة المباشرة من تحسن التصنيف الائتماني في الغالب بالتحسن في أسعار الفائدة على قروض الحكومة ومؤسساتها إضافة الى مناخ الثقة في المستقبل الذي يمنحه هذا التصنيف. مما يعني ان تحسن التصنيف أداة لتحقيق نتائج إضافية.
البعد الأهم في هذا الإطار كيف يتم ترجمة الثقة والإيمان بتلك المؤشرات من خلال تنفيذ الاستثمارات المباشرة التي يقوم بها القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي. فما الذي حدث على سبيل المثال خلال السنوات الماضية في موضوع الاستثمار في الأردن وما يتعلق أيضا بموضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
تم تعديل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص على مدى السنوات الماضية ثلاث مرات وتم تمرير القانون من خلال قنواته التشريعية التي نعرفها فما هو عدد المشاريع التي تم تنفيذها استنادا إلى ذلك القانون مع الأخذ بعين الاعتبار أن التعديل الأخير لا زال حديثا ، للأسف الشديد لا يوجد مشاريع تمت استنادا إلى ذلك القانون وهذا ما أدعي إنه هو الشهادة الحقيقية على جودة هذا القانون الذي نتغنى به وتم صياغته في عام ٢٠١٣ ومر بثلاث تعديلات خلال فترة قصيرة. وهذا يعني ان تحسن مؤشر او وجود قانون ليس المآل النهائي ، بل هو أداة لتنفيذ الهدف الأبعد ، والذي حال عدم تحققه لا يتحقق الهدف المرجو.
ذلك هو التقييم الحقيقي لمدى جودة القانون بغض النظر عن رأينا فيه ، إذ لو كان القانون مناسبا ومقنعا لرأينا على الأقل بعض المشاريع التي تنفذ ضمن ذلك الإطار سواء استثمارا محليا او خارجيا.
البعد الثاني الذي يمكن الحديث عنه هو حجم الاستثمارات (المحلية والخارجية) التي تم تنفيذها خلال العقد الماضي ، فقد شهدت تراجعا كبيرا بالأرقام المطلقة او كنسبة من الناتج المحلي خلال العشر سنوات الماضية ، وتحديدا بدأت تلك النسب بالتراجع منذ العام ٢٠٠٨.
ان التركيز على الاستثمارات يأتي من جانب أنها هي التي ستحقق النمو وستساهم بتوسيع القاعدة الإنتاجية وستولد فرص العمل، في ظل غيابها فلنا أن نتساءل كيف يمكن أن نحقق النمو وكيف يمكن أن نولد فرص العمل التي يمكن أن تخفض نسب البطالة على الرغم من الأرقام الحديثة التي أصدرتها دائرة الإحصاءات والتي تتحدث عن تراجع طفيف في نسبة البطالة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار حجم الاستثمارات على مدى الحقب الماضية وتقبلنا فرضية أن الاستثمارات تعكس حقيقته المناخ الاستثماري السائد فسوف نخلص إلى أن هناك جهدا كبيرا مطلوبا لتشجيع الاستثمارات وعكس المسار السائد.
فما هي أسباب تراجع ذلك الاستثمار؟ يمكن تلخيص ذلك في عدة عوامل أولها ضعف الثقة في السياسات العامة ، غياب استقرار التشريعات المتعلقة بالمناخ الاستثماري تراجع في مؤشرات انفاذ القانون وتداخلها بشكل مربك إضافة لارتفاع كلفة التمويل وضعف مرافق البنية التحتية ، كل هذا على الرغم من الاستقرار على المستوى الكلي الذي تحقق في مجال السياسة المالية والنقدية وفقا لتقدير مؤسسات الائتمان الدولية.
بعجالة هذه هي أبرز المسائل التي يجب على أي حكومة أن تعمل على وضع خطة محددة كي نتمكن منه الإجابة عليها لتسريع الاستثمارات وبالتالي توسيع القاعدة الإنتاجية وإيجاد فرص عمل.
*وزير التخطيط والتعاون الدولي ووزير الطاقة الأسبق .